أحدث المقالات

عمرو حمزاوي: محاولة للفهم.. الغرب ومصالحه وسياسته

أولا: لغة المصالح، وليس لغة المبادئ، هى الغالبة فى العلاقات الدولية والمحددة للسلوك الخارجى للقوى الكبرى والأطراف الإقليمية المؤثرة والدول الصغيرة.
ثانيا: منظومة الدول الغربية ــ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى فى الأساس مضافا إليهما كندا وفى بعض الأحيان بحسابات تقارب المصالح وليس الجغرافيا اليابان وأستراليا ــ وإن أكثرت حكوماتها من الحديث الرسمى عن مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون كموجهات لسلوكها الخارجى وعلاقاتها بالدول المختلفة، إلا أن مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والتجارية تشكل دوما المحددات الفعلية لسياستها وترجح كفتها حال تناقضها مع مبادئ الديمقراطية ودون طويل تفكير أو عميق قلق.
تتكالب الدول الغربية على العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين والحريات وما حقوق الإنسان بها إلا كم مهمل، وتربط الولايات المتحدة بنظم غير ديمقراطية مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية حيوية تمتد فى جغرافيا عالمية من جمهوريات آسيا الوسطى السلطوية مرورا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى نظم أمنية فى شرق وغرب وجنوب إفريقيا. وتحيد الحكومات الغربية الكثير من مبادئ الديمقراطية حين تتعارض مع مصالحها بشأن قضايا كالحرب الغربية على الإرهاب وأمن إسرائيل وهجرة الأجانب وحق اللجوء السياسى وحرية التجارة وسياسات البيئة وغيرها.
ثالثا: على الرغم من ذلك ومع تبلور مجتمعات مدنية فعالة وقوية فى الغرب تدافع عن مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون عالميا وتطالب بتبنيها فى العلاقات الدولية وبإدانة الخروج عليها، تفضل حكومات الدول الغربية اليوم الحفاظ على مصالحها الحيوية مع دول تدار بشرعية ديمقراطية وتلتزم قدر الإمكان بحقوق الإنسان.
وحين تحتم المصالح التعامل مع دول تدار بطرق أخرى، تعمد الحكومات الغربية إما إلى تجاهل غياب الديمقراطية (الصين وجمهوريات آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجى كنماذج) أو إلى إنتاج خطاب رسمى يدعو إلى التحول الديمقراطى والتزام حقوق الإنسان (روسيا وأوكرانيا ومصر وتونس والجزائر والمغرب كنماذج بعيدة وقريبة). أما حين تضعف مصالح الغرب أو تتسم بالهامشية وتغيب الديمقراطية عن الدول المعنية كبعض الدول الآسيوية والإفريقية، تستأسد الدبلوماسية الغربية وتنحو إلى فرض عقوبات وقطع علاقات.
رابعا: يمكن مثل هذا الإطار الواقعى لمقاربة السلوك الخارجى لحكومات الدول الغربية وحسابات مصالحها، وكذلك الابتعاد عن إضفاء هالة من المثالية على وضعية الديمقراطية فى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى، من التفسير الموضوعى للسياسة الغربية تجاه مصر قبل ثورة يناير ٢٠١١ وفى العامين ونصف المنصرمين واليوم. غلب الغرب مصالحه مع نظام الرئيس مبارك حتى اللحظة الأخيرة ولم يقف طويلا عند غياب الديمقراطية والاستبداد والفساد، ثم راهن على جماعة الإخوان المسلمين رهانا استراتيجيا اختزل الديمقراطية فى صندوق انتخابات وتجاهل سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات فى الدستور وانتهاكات حقوق الإنسان، واليوم سيكتفى بمطالبة مصر بالتحول الديمقراطى ونبذ العنف الرسمى والعنف المضاد.
خامسا: الوجه الآخر لغلبة المصالح على المبادئ فى حسابات السلوك الخارجى للدول الغربية هو ناقص (عكس فائض) الشرعية الذى تعانى منه دوما حين تنتج حكوماتها خطاب مبادئ الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. وبعيدا عن غث المقولات المتواتر اليوم بشأن الخطط الغربية لتفتيت مصر وتواطؤ واشنطن مع جماعة الإخوان وجماعات إرهابية وخلايا تكفيرية لتفجير سيناء ودفعها باتجاه «الوطن البديل» للفلسطينيين وغير ذلك، ينعكس ناقص شرعية خطاب الغرب عن الديمقراطية وبوضوح على مجمل النقاش العام الراهن فى مصر. ويحق للمصريات وللمصريين التساؤل عن مآلات ديمقراطية الغرب تجاه الصين، وعن دفاع حكوماته عن حقوق الإنسان تجاه إسرائيل وحكومتها تنتهك الحقوق يوميا وبصورة فجة، وعن سيادة القانون والحرب الغربية على الإرهاب تحصد الأرواح فى افغانستان وباكستان واليمن دون محاسبة أو شفافية وبالطائرات الموجهة عن بعد.
سادسا: لا يترتب على ناقص شرعية حكومات الدول الغربية حين تتناول مبادئ الديمقراطية سحب ذات النقص على منظمات المجتمع المدنى والدفاع عن حقوق الإنسان فى الغرب ولا على عموم الإعلام الغربى. فالكثير من المنظمات هذه مبدئى فى عمله وأنشطته ولا تحركه حسابات المصالح، والإعلام الغربى وإن حضرت بالتأكيد الانحيازات هنا وهناك يظل بتنوعه وتعدد الأصوات به قريب فى المجمل من الموضوعية.
سابعا: أما نحن، الباحثون عن هامش للديمقراطية فى مصر، فالأهم بالنسبة لنا هو التمسك بربطنا بين المصلحة الوطنية المصرية وبين الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وبتعويلنا على ضمير المصريات والمصريين لإعادة تعريف هامش للديمقراطية اليوم، وفى شأن الغرب بالمقاربة الموضوعية لسياسته دون مثالية ودون سقوط فى مصيدة الفكر التآمرى، وبالتزامنا فى خطابنا للداخل المصرى وللعالم الخارجى ذى الفضاءات الإعلامية المفتوحة ذات المبادئ والمضامين والأهداف (وعلى الهامش وللتوضيح، وبعيدا عن ماكينة تشويه المدافعين عن الديمقراطية التى تعمل اليوم بحد طاقتها وسرعتها الأقصى وبعبث وعنف شديدين، هذا هو تحديدا ما أفعله حين التواصل مع الإعلام العالمى الناطق بالإنجليزية والألمانية والذى فى بعض الأحيان يترجم مقالاتى بالشروق وقبلها بالوطن وينشرها كمقالات أو حوارات).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزوار

مدونة مقالاتكم Designed by أحمد عبد العزيز | MyBloggerLab Copyright © 2014

مدونة مقالاتكم. صور المظاهر بواسطة richcano. يتم التشغيل بواسطة Blogger.